الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.الخبر عن دولة أحمد بن طولون بمصر وبنيه ومواليه بني طغج وابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم. قال ابن سعيد ونقله من كتاب ابن الداية في أخبار بني طولون: كان طولون أبو أحمد من الطغز غزوهم التتر حمله نوح بن أسد عامل بخارى إلى المأمون في وظيفته من المال والرقيق والبراذين وولد له أحمد سنة عشرين ومائتين من جارية اسمها ناسم وتوفي طولون سنة أربعين ومائتين وكفله رفقاء أبيه بدار الملك حتى ثبتت مرتبته وتصرف في خدمة السلطان وانتشر له ذكر عند الأولياء فاق به على أهل طبقته وشاع بين الترك صونه ودينه وأمانته على الأسرار والأموال والفروج وكان يستصغر عقول الأتراك ويرى أنهم ليسوا بأهل للرتب وكان يحب الجهاد وطلب من محمد بن أحمد بن خاقان أن يسأل من عبد الله الوزير أن يكتب لهما بأرزاقهما إلى الثغر ويقيما هنالك مجاهدين وسار إلى طرسوس وأعجبه ما عليه أهل الحق من تغيير المنكر وإقامة الحق فأنس وعكف على طلب الحديث ثم رجع إلى بغداد وقد امتلأ علما ودينا وسياسة ولما تنكر الأتراك للمستعين وبايعوا المعتز وآل أمر المستعين إلى الخلع والتغريب إلى واسط وكلوا به أحمد بن طولون فأحسن عشرته ووسع عليه وألزمه أحمد بن محمد الواسطي يومه وكان حسن العشرة فكه المجالسة ولما اعتزموا على قتله بعثوا إلى أحمد بن طولون أن يمضي ذلك فتفادى منه فبعثوا سعيدا الحاجب فسمله ثم قتله ودفنه ابن طولون وعظم محله بذلك عند أهل الدولة انتهى كلام ابن سعيد وقال ابن عبد الظاهر: وقفت على سيرة للأخشيذ قديمة عليها خط الفرغاني وفيها أن أحمد هو ابن النج من الأتراك كان طولون صديق أبيه ومن طبقته فلما مات النج رباه طولون وكفله فلما بلغ من الحداثة مشى مع الحشوية وغزا وتنقلت به الأحوال إلى أن صار معدودا في الثقات وولي مصر واستقر بها قال صدر الدين بن عبد الظاهر: ولم أر ذلك لغيره من المؤرخين انتهى ولما وقع اضطراب الترك ببغداد وقتل المستعين وولي المعتز واستبد عليه الأتراك وزعيمهم يومئذ باك باك وولاه المعتز مصر ونظر فيمن يستخلفه عليها فوقع اختياره على أحمد بن طولون فبعثه عليها وسار معه أحمد بن محمد الواسطي ويعقوب بن إسحاق ودخلها في رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين وعلى الخوارج بها أحمد بن المدبر وعلى البريد سفير مولى قبيجة فأهدى له ابن المدبر ثم استوحش منه وكاتب المعتز بأن ابن طولون يروم العصيان وكاتب صاحب البريد بمثل ذلك فسطا بسفير صاحب البريد ومات من غده ثم قتل المعتز وولي المهتدي فقتل باك باك ورتب مكانه يارجوج وولاه مصر وكانت بينه وبين أحمد بن طولون مودة أكيدة فاستخلفه على مصر وأطلق يده على الإسكندرية والصعيد بعد أن كان مقتصرا على مصر فقط وجعل إليه الخراج فسقطت رتبة ابن المدبر ثم أعاده المعتمد فلم ينهض إلى مساماة ابن طولون ولا منازعته ثم كتب إليه المعتمد بضبط عيسى بن شيخ الشيباني وكان يتقلد فلسطين والأردن وتغلب على دمشق وطمع في مصر ومنع الحمل واعترض حمل ابن المدبر وكان خمسة وسبعين حملا من الذهب فأخذها فكتب إليه المعتمد يومئذ بولاية أعماله فادعى العجز وأنكر مال الحمل ونزع السواد وأنفذ أناجور من الحضرة في العساكر إلى دمشق سنة سبع وخمسين ثم خرج أحمد بن طولون إلى الإسكندرية ومعه أخوه موسى وكان يتجنى عليه ويرى أنه لم يوف بحقه وظهر ذلك منه في خطابه فأوقع به ونفاه وحبس كاتبه إسحاق بن يعقوب واتهمه بأنه أفضى بسره إلى أخيه وخرج أخوه حاجا وسار من هنالك إلى العراق ووصف أخاه بالجميل فحظى بذلك عند الموفق واستفحل أمر أحمد واستكثر من الجند وخافه أناجور بالشام وكتب الموفق يغريه بشأنه وأنه يخشى على الشام منه فكتب الموفق إلى ابن طولون بالشخوص إلى العراق لتدبير أمر السلطان وأن يستخلف على مصر فشعر ابن طولون بالمكيدة في ذلك فبعث كاتبه أحمد بن محمد الواسطي إلى يارجوج وإلى الوزير وحمل إليهما الأموال والهدايا وكان يارجوج متمكنا في الدولة فسعى في أمره وأعفاه من الشخوص وأطلق ولده وحرمه واشتدت وطأة ابن طولون وخافه أحمد بن المدبر فكتب إلى أخيه إبراهيم أن يتلطف له في الانصراف عن مصر فورد الكتاب بتقليده خراج دمشق وفلسطين والأردن وصانع ابن طولون بضياعه التي ملكها وسار إلى عمله بمصر وشيعه ابن طولون ورضي عنه وذلك سنة ثمان وخمسين ومائتين وولي الوزير على الخراج من قبله وتقدم لابن طولون باستحثاثه فتتابع حمل الأموال إلى المعتمد ثم كتب ابن طولون بأن تكون جباية الخراج له فأسعف بذلك وأنفذ المعتمد نفيسا الخادم بتقليده خراج مصر وضريبتها وخراج الشام وبعث إليه نفيس الخادم ومعه صالح بن أحمد بن حنبل قاضي الثغور ومحمد بن أحمد الجزوعي قاضي واسط شاهدين بإعفائه ما زاد على الرسم من المال والطراز ومات يارجوج في رمضان سنة تسع وخمسين وكان صاحب مصر ومن أقطاعه ويدعى له قبل ابن طولون فلما مات استقل أحمد بمصر.
|